RSS

Monthly Archives: August 2012

ـ البنية التحتية التصنيعية (الصناع) ٢ ـ

الموضوع السابق كان مقدمة لهذه المقالة، إقرأها أولا قبل قراءة هذه.

توجهت لمول الآفينوز في الكويت، وفي إحدى أطراف المول كان هناك عرض لأعمال المبدعين. فمررت في الممرات باحثا عما يستهويني، معظم ما رأيت كان لهواة التصوير، البعض كان لرسامين، وواحد لمخترع، ولكنها في مجملها لم تحرك تدفق الدم في أنحاء مخي، فظلت أتجول خاملا بين “الإبداعات”. انتهيت من التجول ولم أصل للنتيجة المرجوة، بلا، لقد وصلت لنتيجة: الإبداعات ضحلة.

وصلت لنهاية المعروضات فقررت أن أتوجه للقهوة للتحدث مع صديقي الذي يسير بجانبي، “لحظة يبدو أننا لم ننتهي بعد، هناك جانب لم نره بعد” قال صديقي مؤشرا إلى آخر جانب من المعرض. جيد، لعلي أجد شيئا مختلفا هناك، ولو أنني لم أتوقع الكثير، حتى لا أندم إن خيبت آمالي. ولكن آمالي لم تخيب. بل ما اكتشفته كان أبعد بكثير من توقعاتي، لقد شاركت ميك (Make) في هذا المعرض.

توقفت أمام الكشك القبل الأخير، ووقفت مذهولا، إنها ميك! ميك؟ ما الذي أتى بهم إلى الكويت؟ أنا أتابع ميك على الإنترت لفترة طويلة، ولكن ها هم أمامي مباشرة، والأروع والأجمل من ذلك أنني سأكتشف خلال دقيقة أن الذي سأتحدث معه هو مؤسس شركة ميك الأميركية، لا بل هو المؤسس الشريك للناشر الهائل لشركة أورايلي (O’Reilly)، إنه ديل دوراتي، لم يتدفق الدم في رأسي فحسب، بل كاد أن ينفجر من شدة الضغط (Dale Dougherty).

شركة ميك هي في الحقيقة مجلة، ولها موقع على الإنترنت، هذه المجلة من أولوياتها صغار الصناع، أي صانع أو مخترع أو مبدع هو محط اهتمام هذه المجلة، بل أكثر من ذلك، أنشأ ديل دوريتي ورشة شاملة وجمع ثلة من الشباب الهواة، ليصنعوا أشياء، أشياء؟ نعم أشياء، لا يهم ما هي، لا يهم كيف تعمل، لا يهم الغاية من عملها، لا يهم كيف صنعت، لا يهم إن كانت صناعة إلكترونية أو ميكانيكية أو خشبية أو … في الحقيقة لا يهم ما هي، ما يهم أنها صنعت، فيصنع الشباب الهاوي صناعات مختلفة جميلة مفيدة غريبة مختلفة عادية سخيفة مثيرة، ثم تنشر في المجلة، حتى يتمكن الغير من صناعتها إن أحب.

تحدثت مع ديل وكانت هناك كاميرا ربما لتلفزيون الكويت بجانبنا، لا أدري، “تحدثت” كلمة مخففة لأني كنت في قمة الإثارة حينما كنت أقذف عليه أسألتي، أسأل السؤال وقبل أنتهي يصطف سؤال آخر في طابور الأسئلة في ذهني منتظرا منه الانتهاء من الإجابة، سألته عن الشركة وعن أهدافها، وعنه هو، وعن سبب حضوره للكويت، وعن الورشة التي كنت دائماً أرى أجزاء منها في لقطات اليوتيوب، وعن طريقة العمل، وهكذا، وهو يجيب، وهو سعيد أنه يجيب على هذه الأسئلة، كلانا مستغرق في الآخر، لم ننتبه لما يجري حولنا.

“لو سمحت، ممكن تتحركان أنت وهو من هذا المكان؟” بعد أن بعد أن سأم المصور من المحادثة بيننا، طلب منا للتحرك بعيدا حتى يصور كشك الميك الصغير.

وديل يلوح للمصور، ويقول له: “صور هذه المحادثة، هذه أسئلة مهمة، دعك من تصوير الكشك، هذا هو المهم.”

لم يتأثر المصور قدر ميكرون لطلب ديل، “أرجوكم ابتعدوا من هنا حتى أصور” خيبة الأمل على وجه ديل كانت واضحة، وأنا منصدم من الطلب، فابتعدنا من مساحة التصوير، وطلبت من ديل الانضمام لنا على قهوة ساخنة حتى نكمل الحديث. فانسحبنا أنا وصديقي وهو للقهوة.

تخيل معي أن عدد الأشخاص الذين تعرفوا على شركته الشهيرة عالميا خلال فترة الأسبوع التي قضاها ديل في الكويت في هذا المعرض البسيط كانوا شخص واحد: أنا! أضف ذلك لخيبة أمل التصوير… وحتى تتضح قدر خيبة الأمل، قبل أن يأتي ديل إلى الكويت كان في مؤتمرا صغيرا حضره ٣٠٠٠ شخص في إيطاليا، كان مخصصا للصناع تحت عنوان ميك، إن لم تعرف قدر خيبة الأمل بعد، فاعلم أن قبلها كان في مؤتمرا في فلوريدا – في الولايات المتحدة الأمريكية – وحضر المؤتمر ٣٠٠٠ صانع، و١٠٠،٠٠٠ زائر، أضف ذلك لخيبة الأمل مرة أخرى.

20120823-201504.jpg

 
1 Comment

Posted by on August 23, 2012 in Uncategorized

 

ـ البنية التحتية التصنيعية (القراءة) 1 ـ

كنت أتحدث الليلة الماضية مع أحد الأصدقاء العزيزين عن استخراجه لشهادتي ميلاد لطفلتيه التوأم اللتين ولدتا قبل أيام (أنا حاليا في بريطانيا في سياحة، وهو الآن يدرس للحصول على شهادة الدكتوراة في الفلسفة). توجه للجهة الرسمية لاستخراج الشهادتين، وبعد أن طبعت له الأوراق أرفقت معهما بطاقتين لاستعارة الكتب من المكتبة، توقف للحظة وفكر قليلا في الجملة الأخيرة. أنا أتحدث عن بطاقة لاستعارة الكتب من المكتبة لطفل عيناه لم تتطوران بما فيه الكفاية ليرى أمه ناهيك عن رؤية خط كتاب ناهيك عن قراءة كتاب أو حتى فهم ماذا تعني القراءة. تلك بداية رحلة القراءة في بريطانيا.

بعد ذلك الأسرة تشتري الكتب للطفل أو تستعيرها من المكتبة، وتقرأ له القصص، وحينما يكبر ويدخل المدرسة، تقوم هي بدور الاهتمام في القراءة، فالمدرسة لديها المكتبة التي تعير منها الكتب للتلميذ، وتقوم برحلات أسبوعية للمكتبة العامة لاستعارة الكتب ببطاقة الاستعارة الشخصية لكل منهم، ولا تنتهي القصة هنا، بل إن المدرسة تعطي كل تلميذ مفكرة، ويطلب من الأهل أن يسجلوا في المفكرة الصفحات التي قرأها في المنزل، ويوقعوا على ذلك، حتى إذا عاد إلى المدرسة في اليوم التالي وأراد إكمال قراءة الكتاب سيعرف من أين يبدأ. وهذه كانت تجربتي شخصيا مع أطفالي في المدرسة حينما كنت أحضر للدكتوراة في بريطانيا. فأبنائي اليوم يعشقون القراءة، وخصوصا بعد أن تعودوا عليها في بريطانيا، وحينما أقول لهم أننا سنتوجه للمكتبة لشراء كتب يبتهجون بنفس درجة ابتهاج أي طفل وعد بشراء لعبة أحلامه.

أتذكر أيضا أنني كنت سأشتري قصة خيالية عن السفر عبر الزمن، فتوجهت لمكتبة واترستونز (Waterstone’s) في المول ويست كي (West Quay mall) في ساوثهامتون (Southampton)، وسألت عن الكتاب، فأبلغني البائع انه متوفر ودلني عليه، تلقفته من الرف بسرعة، وتوجهت للكاشيير، وحينما قدمت له الكتاب لمسحه قال لي أنه هو وأصدقاءه سيجتمعون في حلقة هذا الأسبوع لمناقشة القصة، وعرض علي الاشتراك مع المجموعة، شخص لم أعرفه، محب للكتب، ينتمي لمجموعة تحب الكتب، ستجتمع لمناقشة كتاب، وطلب مني أن أشترك معهم، أين تحدث مثل هذه الأشياء؟ كان ذلك في نفس البلد الذي يهيئ الأجواء المناسبة للقراءة للطفل بمجرد خروجه من بطن أمه.

هذه هي بنية تحتية متكاملة في بريطانيا تضمن تعود الشخص على القراءة، وتجعل القراءة جزءا طبيعيا من حياته، وحينما تصبح جزءا طبيعيا لن تكون عبئا عليه في المتسقبل.

 
5 Comments

Posted by on August 23, 2012 in Uncategorized